سنة من تاريخ عائلة
الدكتور جورج غالب اليحشوشي
رجال ونساء وأولاد عائلة آل يحشوشي، أنتم صناعةُ تاريخٍ واحدٍ.
كلّما عمّقنا معرفتنا بهذا التاريخ، أدركنا أنّ بيننا صلة ق ا ربة في الدمّ والقيَم و ا زدت
ثقتُنا وفخرُنا بالماضي والحاضر والمستقبل.
لا بدّ هنا من ذكر قول الرئيس الأميركي السابق Theodore Roosevelt : "كلّما تعمّقتَ بالماضي، كنتَ مستع د ا للمستقبل."
“The more you know about the past, the better prepared you are for the future.”
نحن كشجرةٍ تنمو أغصانها بجهات مختلفة ولكنّ الجذع يبقى واحد...
لنغوص سو يا في أعماقِ هذا التاريخ؛ تاريخٌ كَتَبَهُ المؤرّخ والكاهن والمعلّم والم ا زرع
والعامل.
يقول الخوري يوسف أبي صعب ) ۱٩٨٥ ( في كتابه "تاريخ الكفور، كسروان وأُسرها" نقلاً عن رسائل غانِميّة إنّ عائلة آل يحشوشي بدأت مع الجدّ موسى غانم، ابن المقدّم سعادة اللحفدي الذي كان معروفًا منذ سنة ۱٣۰٣ ، وهو من أبرز مُقدمي الموارنة في ذلك الوقت. في القرون الوسطى، كان المقدّم ينتخب من أهل منطقته كقائد وممثل عن هذه المنطقة. وكان من شأن هؤلاء المقدّمين المنتخبين، مساعدة البطاركة في الحفاظ على مصالح الطائفة المارونية. انتقل أولاد موسى غانم من الحدث الى لحفد ومنها إلى حدتون. ولمّا أحرق والي ط ا ربلس حدتون حوالي سنة ۱٦۰۰ تشتّت شمل أهاليها. ومن أحفاد موسى غانم، نذكر يوحنا الذي رحل إلى يحشوش ولُقّبَ باليحشوشي وتفرّق أولاده في نهر الذهب وحدشات وحيّاطة والغينة...
أمّا روايةُ الهجرةِ من حدتون، فتتطابقُ مع ما تناقله أجدادُنا وما كُتِبَ في الرسائل الغانميّة أيضًا: ومن سلالة موسى غانم ابن المقدم سعادة اللحفدي أحد أحفاده المقدم غانم الذي نزح من لحفد إلى حدتون وكان له ثلاثة أولاد اوبنة اسمها ماري كانت آية في الحسن فإتصل خبرها بوالي ط ا ربلس فطلب يدها من أبيها فاعتذر هذا عن ابنته لكنّ الوالي لم يقبل له عذ ا رً اوستاء منه فحضر بنفسه إلى حدتون مع جنده لأخذ الابنة عنوة فلم يكن من أخيها انطونيوس إ لا وارتدى ثيابها وكان أصغر إخوته عم ا رً ويماثلها حُ س نا وجمالا وطلب إلى أبيه أن يس لّمه للوالي عوضً ا عن شقيقته وينزح بها اوخوته وأف ا رد العائلة إلى نهر اب ا رهيم حيث ينتظرونه يومين إذا أ تيحت له النجاة. ولما استقرّ أ ريهم على ذلك وقبلوا تسليم انطونيوس بدلا من أخته، رحلوا إلى نهر اب ا رهيم منتظرين النتيجة. أما الوالي، فحين أ رى انطونيوس لابسً ا ثياب شقيقته لم يخاطره شكّ بأنه الفتاة المطلوبة فأركبه جواد اً ورجع به إلى ط ا ربلس فرحً ا مسرو ا ر. لكنّ الليل كان قد حلّ قبل وصولهم إلى المدينة فتم لّكهم التعب وأمطرتهم السماء فنزلوا خارج البلدة وانفرد الوالي بعروسه؛ فاغتنم انطونيوس هذه الف رصة لذبح الوالي والهرب تحت جنح الظلام من دون أن يشعر به أحد من الجند الذين تغ لّب عليهم التعب. فعاد إلى والديه اللذين كانا بانتظاره في نهر اب ا رهيم وعلى أثر تلك الحادثة أحرق أشياع الوالي قرية حدتون سنة ١٦٠٥ . وقد لُ ق ب انطونيوس بالناخس ومن ثم الناكوزي لذبحه والي ط ا ربلس، وهي لفظة سريانية معناها الذابح.
بعد وقوع هذه الكارثة، هرب يوحنا غانم، شقيق انطونيوس، إلى يحشوش. في تلك الفترة، كانت مقاطعة كسروان الفتوح بين أيدي فخر الدين المعني الذي جَعلها مقاطعة مستقلّة ومنفصلة عن كسروان تحت ولاية آل حمادة الشيعيين الذين حكموا الفتوح من غبالة ويحشوش.
ويوحنا غانم الذي كان يذهبُ كلَّ أحدٍ من يحشوش الى غبالة ليُشاركَ في رتبة قدّ اس الأحد في كنيسة مار سركيس وباخوس، لقّبه أهل المنطقة باليحشوشي كونَهُ كان يأتي من يحشوش وكانوا ينتظرون وصوله قبل البدء بقدّ اس نهار الأحد. إذا كانت حدتون ومأساتُها هي النهاية بالنسبة لأولاد المقدم غانم... فيحشوش هي البداية.
لا شكّ في أنّ عائلة ح نا غانم اليحشوشي هي من أُولى العائلات المارونيّة السريانيّة التي سكنت يحشوش، إن لم تكن أوّل عائلة؛ في حين أنّ يحشوش كانت مقرّ الحماديّة الشيعة الذين أُوكِ لَت إليهم ولاية فتوح كسروان.
الجدير بالذكر أنّ السكن اولبقاء في يحشوش كان يتطلّبُ الجُ أ رة والإيمان والمسايرة. وهكذا بدأت مسيرة عائلة حملت اسم القرية التي تقطنها، ألا وهي "يحشوش".
وفي يحشوش، تَعودُ بنا سجلّات الكنيسة وما كُتِبَ على هامش الكتب المقدسة التابعة لكنيسة مار سمعان وسيدة غوشريا إلى نهاية القرن ۱٨ ، وبالتحديد إلى اسم سليمان اليحشوشي وولديه موسى والياس. وهكذا نشأت أربعة فروع في العائلة في يحشوش: الياس بو موسى، غالب بو موسى، حنا بو الياس، ومخلوف بو الياس.
وبحسب ما يرد في السجلات، ظهر فرع خامس في مطلع القرن التاسع عشر تحت اسم يوسف بو هيّا اليحشوشي الذي سكن الرويس ومن ثمّ توسّع أ ولاده نحو نهر الذهب والقرى المجاورة.
عاش كلّ من الياس، وغالب، وحنا، ومخلوف، ويوسف فترة تحوّل جذري في فتوح كسروان ابرزها نهاية ولاية الحمادية. وقد اشتهر غالب مثلاً بالبطولات التي قام بها في ذلك الوقت.
بالإضافة إلى ذلك، ساهم الياس، وغالب، وحنا، ومخلوف، ويوسف في عودة النصارى إلى فتوح كسروان كما شاركوا الخوري موسى عا ا زر في بناء كنيسة مار سمعان العمودي يحشوشي سنة ۱٧٩۱ بأمر من المط ا رن بطرس مبارك. أوتمّ بناء الكنيسة عقدًا سنة ۱٨۲٤ )من كتاب "وقف ومساكين عموم أهل يحشوش النصارى"(، علمًا أنّ أسمائهم وردت في الصفحات الأولى للسجلات والكتب المقدسة.
وقد اشتهر أيض اً في القرن التاسع عشر إبن مخلوف، أي بشارة مخلوف )عماد ١٨٣٩ ) اليحشوشي الذي انتخب شيخ صلح في عهد الأت ا رك حتى وفاته في بداية القرن العشرين.
وكان يقوم شيخ الصلح بمهام القاضي والمختار، كما كان يتمتّع بصلاحية سجن كلّ من يخلّ في القانون. وهو من بنى كنيسة في يحشوش سنة ١٨٩٠ حملت اسم كنيسة سيدة البشارة، وقد أ وكلت في ما بعد إدارتها إلى ال ا رهب ميلاد فرنسيس اليحشوشي الذي دفن فيها وبعدها إلى أنطون سمعان اليحشوشي. وقد كان كلّ من بشارة مخلوف وحرمته ع ا ر با وع ا ربة لكثير من أولاد الضيعة وقد ورد اسمهما م ا ر ا ر مع الشيخ نادر الدحداح.
ومن ثمّ، أصبح فرنسيس نصيف ب والياس اليحشوشي شيخ صُلح بعد وفاة بشارة مخلوف. ومن بين أحفاد بو هيّا، نذكر الخوري يوسف الذي بنى كنيسة في ال رويس والخوري مناسى اليحشوشي الذي بنى دير مار روحانا عرمون مثل ما أتى على ذكره كبارنا وكتاب " وقف ومساكين عموم أهل يحشوش النصارى" في مطلع القرن العشرين.
ومن بين أف ا رد العائلة نذكر أيضً ا المعلم اليحشوشي الذي أتى على ذكره الأديب الكبير أمين الريحاني أثناء مروره في يحشوش في مطلع القرن العشرين حيث تو قّف أمام سنديانة يحشوش أي سنديانة مار سمعان العمودي ومدرسة الضيعة وقال: "والآن لنعد إلى يحشوش، ولنقف عند السنديانة العظمى - سنديانة الكنيسة، سنديانة القرية، سنديانة معلم القرية، سنديانة الأديب اليحشوشي، سنديانة الذك ا ريات اللبنانية الخالدة."
وقد أسّس أحفاد: غالب، وحنا، ومخلوف، ويوسف، عائلات مؤمنة وعاملة ومثابرة انتشرت
في أرجاء يحشوش وقرى الجوار وعاشت مآسي الحرب العالمية الأولى. فمنهم من هاجر،
ومنهم من مات جوعً ا، ومنهم من صمد وأسّ س عائلات نتفرع منها نحن.
ليصح قول الفيلسوف الفرنسي Boris Cyrulnik
إن الحياة هي معركة تولد أبطال يموتون لكي نحيا
"pour meurent qui héros où naissent lesbataille un champ de La vie est"que l'on vive."